فصل: مسألة الموصى يجد في تركة الميت شطرنجا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة الموصى يجد في تركة الميت شطرنجا:

وسألت ابن وهب عن الموصى يجد في تركة الميت شطرنجا، هل ترى له أن يبيعها؟ قال: لا يبيعها. قلت: فما يصنع بها؟ قال: ينحت وجوهها، ويبيعها حطبا، قلت: بأمر السلطان أم ترى أن لا يفعل بغير أمر السلطان؟ قال: إن كان السلطان ممن قد سمع العلم والأحاديث، فأرى أن يفعل ذلك بغير أمره، وإن كان ممن لم يسمع العلم والأحاديث، ولا يعرفه، وكان خائفا من ناحيته بجهالته بما جاء فيها، فلا أرى له أن يفعل ذلك بأمره.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه ينبغي للموصى أن يكسر الشطرنج إذا وجده في تركة الميت، ويبيعه حطبا، ولا يبيعه كما هو، بمنزلة النرد، وهو يشبه في صفته على ما روى أنه قطع معاونة يصنع من العاج والبقس، ويسمى بالطبل وبالكعاب وبالنردشير. ذكر مالك في موطئه عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ أنه قال: «من لعب بالنرد، فقد عصى الله ورسوله.» وعن عائشة أنه بلغها أن أهل بيت في دارها كانوا سكانا فيها، عندهم نرد، فأرسلت إليهم لئن لم تخرجوها لأخرجنكم من داري، وأنكرت ذلك عليهم، وعن عبد الله بن عمر أنه كان إذا وجد أحدا من أهله يلعب بالنرد ضربه وكسرها، وروي عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ أنه قال: «من لعب بالنردشير، فكأنما غمس يده في لحم خنزير.» والشطرنج بمنزلته، قال مالك: لا خير فيه، وكره اللعب بها وبغيرها من الباطل، وتلا قول الله عز وجل: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: 32]، وقال الليث بن سعد فيه: إنه شر من النرد، ولا اختلاف بين مالك وجميع أصحابه، في أن من أدمن اللعب بها، كان ذلك جرحة فيه، تسقط أمانته وشهادته. وقد قيل: إن الإدمان أن يلعب بها في العام أكثر من مرة، وهذا إذا لعب بها على غير وجه القمار، وأما اللعب بها على القمار والخطر، فلا اختلاف بين أحد من أهل العلم في تحريم ذلك؛ لأنه من الميسر المحرم بنص القرآن، ولعيسى بن دينار في كتاب الجرار أنه سئل عن الرجل يهلك، فيوجد في تركته شطرنج ونرد وعظام يلعب بها؛ هل ترى الإمام أن يأمر بكسرها؟ قال: لا أرى ذلك عليه، وأرى له أن يدعها، قيل: فإن كان عليه دين هل يبيعها في دينه؟ قال: لا، ولم ير ذلك في العود والمزمار، ورأى أن يكسر على كل حال، وإنما قال ذلك عيسى بن دينار لما روى من ترخيص من رخص في اللعب بالشطرنج على غير قمار من العلماء، والصواب كراهة اللعب بها وكسرها، والأدب على اللعب بها قياسا على ما فعله عبد الله بن عمر في النرد.
وقد مضى في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات القول في الخمر يجدها الوصي في تركة الميت، وبالله التوفيق.

.مسألة يشتد عليه العاصف في البحر فيريد أن يتصدق بماله:

وسئل ابن القاسم عن الرجل يشتد عليه العاصف في البحر، فيريد أن يتصدق بماله، قال: إذا اشتد عليه العاصف، وخاف الغرق، لم يجز له القضاء في ماله، إلا في الثلث.
وسئل عن الذي تجمح دابته، أيجوز له القضاء في ماله؟ قال: لا يجوز له القضاء في ماله إلا في الثلث، والذي يقدم للقتل صبرا مثله.
قال محمد بن رشد: في الذي يشتد عليه العاصف في البحر: إنه لا يجوز له القضاء في ماله، إلا في الثلث خلاف قول مالك في المدونة مثل ما حكى سحنون عنه من أنه أمر راكب البحر في الثلث، وقد قيل على ظاهر هذه الرواية التي حكى سحنون: إن أمر راكب البحر في الثلث على كل حال، وإن لم يكن فيه هول؛ إذ لا يؤمن تقلبه.
فيتحصل على هذا في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها إجازة فعل راكب البحر على كل حال، وهو قول مالك في رواية ابن القاسم عنه في المدونة، والثاني إن فعله لا يجوز على كل حال، وهو ظاهر ما حكى سحنون عن مالك في المدونة والثالث الفرق بين حال الهول فيه وحال غير الهول، وهو دليل قول ابن القاسم في هذه الرواية، وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب؛ لأن راكب البحر في حال الهول أخوف على نفسه من المريض، والذي تجمح به دابته بمنزلته سواء يدخله ما يدخل راكب البحر في حال الهول من الاختلاف ولا اختلاف في الذي يحبس للقتل صبرا إن فعله لا يجوز إلا في الثلث، وكذلك الأسير في أول أمره، قبل أن يستحكم أسره على ما حكاه ابن حبيب في الواضحة لأن قوله يحمل على التفسير لما في سماع أبي زيد من كتاب الجهاد. وبالله التوفيق.

.مسألة يقول في مرضه اجعلوا غلامي فلانا بيني وبين النارفيمسك لسانه:

وسئل عن الذي يقول في مرضه لورثته: اجعلوا غلامي فلانا بيني وبين النار، فيمسك لسانه. قال: أراه عتيقا.
قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله؛ لأنه إنما أراد أن يعتقه الله من النار بعتقه إياه، على ما جاء من أنه من أعتق عبده أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار. وبالله التوفيق. لا شريك له وهو حسبي ونعم الوكيل.
تم الرابع من الوصايا والحمد لله.

.كتاب الوصايا الخامس:

.مريض أعتق ثلث عبده ولا مال له غيره وباع من العبد ثلثي نفسه الباقيين:

من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب القضاء العاشر من البيوع قال أصبغ بن الفرج: وسألت ابن القاسم عن مريض أعتق ثلث عبده، ولا مال له غيره، وباع من العبد ثلثي نفسه الباقيين بيعا ليس فيه محاباة بما يسوى بثلثي قيمته أو أكثر قال: ذلك جائز: قلت قبض الثمن قبل أن يموت أو لم يقبض، أو تأخر القبض حتى مات؟ قال: ذلك سواء قبض أو لم يقبض إذا دفع العبد ذلك، قال أصبغ: وذلك إذا كان المال الذي يعطى العبد الذي باعه به ليس من مال هو للعبد قبل أن يبيعه، فأما مال هو له يومئذ يكون رقيقا معه، فليس ذلك ببيع ذلك حيف ومحاباة وعتق من الميت، وأخذ الأكثر من ثلثه وما لا يجوز له.
قال محمد بن رشد: قول أصبغ صحيح مفسر لقول ابن القاسم، ولابن دحون في هذه المسألة كلام صحيح، يفسر قول أصبغ. قال: إنما يشترى العبد بثلثي نفسه بعد عتق السيد لثلثه، من ثلث ما في يديه، أو من مال وهب له، وإن اشترى ثلثي نفسه بكل المال الذي في يديه فهي محاباة من الميت له؛ لأن المال الذي كان في يديه إنما له منه ثلثه الذي أعتق منه سيده وباقيه للسيد، إلا أنه لا يؤخذ من يديه وإن بيع بيع به كالشريكين في العبد. ولابن المواز في هذه المسألة تفسير لا يتجه إلا على بعد. قال: لأن ما صار له موقوفا بيده، يعتق بعضه، وكأنه العبد في نفسه شفعة لحرمة العتق، فإن كان ثمن ثلثي العبد في تركة السيد وافرا فيتم عتق ثلث العبد، وإن أنفق ثمن الثلثين أو لم يوجد رق من الثلث الذي أعتق ثلثاه وعتق ثلثه. قال ابن أبي زيد: يريد: ويعتق ثلثاه المبيع، فانظر في ذلك وتدبر، وبالله التوفيق.

.مسألة قال عند موته إن أسلمت جاريتي فلانة فهي حرة:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عمن قال عند موته: إن أسلمت جاريتي فلانة فهي حرة، فغفل عنها بعد موته، ولم يعرض عليها الإسلام حتى ولدت أولادا بعد موته، ثم عرض عليها فأسلمت، قال: يعتق ولدها معها، إنما ذكر بمنزلة ما لو قال: إن دفعت إليكم فلانة عشرة دنانير، فهي حرة، فغفل عنها حتى ولدت أولادا ثم عرض عليها، فأدت العشرة، فهي حرة. وولدها. وقاله أصبغ. وقال: المسألة أوضح من الحجة وأقوى، وكذلك كل موصى بعتقها فولدت بعد موت سيدها قبل أن تقام في ثلثه أولادا فإنها تعتق في ثلثه وولدها؛ لأنه قد كان انعقد لولدها ما عقد لها يوم وجب العتق فيها، وهو يوم مات السيد، وإن كان ولدها ذلك كانت به حاملا يوم أوصى أو يوم مات، إذا كانت إنما وضعته بعد موت السيد الموصي، فالذي تحمل به بعد الموت أحرى وأوكد، وقد قال لي ابن القاسم هذا أيضا، وقال: فإن وضعته قبل موته، فلا يدخل معها في الوصية وهو رقيق؛ لأنه لو شاء أن يرد الوصية فيها ردها. قال أصبغ: لأنه قد زايلها قبل أن ينعقد له عتق أو يجب، قال أصبغ: قال ابن القاسم: فإذا مات حين تثبت لها الوصية، فما ولدت بعد ذلك دخل معها، كانت حاملا بعد ذلك أو لم تكن. ومثال ذلك أن يقول: جاريتي حرة إن رضي أبي في وصية أوصى بها، فتلد الجارية أولادا وأبوه غائب وقد مات الموصي فيقدم الأب فيخير ويرضى، فهي وولدها أحرار، فأراها في المسألة الأولى حرة، وولدها إذا شاءت ذلك الأمر الذي عرض عليها أو شاء غيرها ممن يجعل ذلك إليه الميت وأرى ألا يتعجل ببيعها إن أبت في أول ذلك الأمر الذي عرض عليها أو شاء غيرهما حتى يرد عليها مرة بعد مرة، فإن أبت بيعت وإن قبلت ذلك بعد أن كرهت فذلك لها، ولا يكون إباؤها أولا إذا قبلت ذلك يعد نقضا لما كان جعل لها ما لم يمض فيها حكم ببيع بعد أن ردد عليها أو قسمة، فإذا ردد عليها فلم تقبل ورضيت بالبيع فبيعت أو قسمت، ثم رجعت بعد ذلك، لم يكن ذلك لها؛ لأن الحكم قد مضى فيها قال أصبغ: قال لي ابن القاسم: وكل شرط أو مشيئة كان في أمة جعل ذلك لها بعد الموت فولدها بمنزلتها إذا ولدته بعد موت السيد.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن الموصى لها بالعتق إن شاءت أو إن أسلمت أو أرادت كذا وكذا، أو إن رضي فلان وما أشبه ذلك، يدخل ما ولدت بعد موت الموصي فيما أوصى لها به؛ لأن ذلك قد وجب لها أو لمن جعل إليه الخيار في عتقها بموت الموصي كما يجب للموصى لها للعتق بموت سيدها ويدخل ما ولدت بعد موته فيما أوصى لها به كانت حاملا به يوم الوصية أو لم تكن، وإذا اختارت التي خيرت بين البيع والعتق، فلها أن ترجع إلى العتق ما لم تُبَع، فإن بيعت بعد أن اختارت البيع، لم يكن لها أن ترجع إلى العتق، وإن كان الأمر لم يردد عليها على ظاهر ما تقدم في رسم القطعان من سماع عيسى، وفي سماع سحنون، ودليل قوله في هذه الرواية: إن ذلك لها إن كان الأمر لم يردد عليها. وهذا الدليل يرده ظاهر ما في رسم القطعان من سماع عيسى وفي أول سماع سحنون فترديد الأمر عليها في الرجوع إلى اختيار العتق، إنما هو استحسان، ما لم يقع البيع هذا الذي يجب أن تحمل عليه الرواية والله أعلم.

.مسألة أوصى إلى وصي وأوصى لقوم بوصايا:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في رجل أوصى إلى وصي وأوصى لقوم بوصايا، وأوصى بعتق غلام له، فلما مات الرجل، أنفذ الرجل الوصايا، ولم يكن علم بالعتق، ثم أقام الغلام البينة على عتقه، قال: إن كان ذلك من الوصي بعد تمكن واجتهاد واستثبات أمر، لم يعجل فيه، وأنظر بالأمر إن حدث، ثم أنفذ ذلك، فلا شيء عليه. قال أصبغ: ودون هذا التأكيد أيضا لا شيء عليه فيما إذا لم يعلم ولم يبادر ذلك خوفا منه مبادرة له، وليس عليه هذا التأكيد كله إنما عليه بقدر الوصية في قلتها وكثرتها واجتماع المال، وتفرقته، واستبراء ذلك، ثم ينفذ، ولا شيء عليه على نحو ذلك قال أصبغ: قال ابن القاسم: ويعتق العبد إن حمله الثلث من جميع المال، ويتبع الورثة أهل الوصايا بما فضل من الثلث دينا يتبعونهم به، إن لم يكن لهم شيء على كل إنسان، بقدر ما أوصى له به. قال أصبغ: جعله كالدين الطارئ يأخذه صاحبه ممن وجده مليا من الورثة، ويتبع الورثة بعضهم بعضا. وقال أصبغ: لا أراه كذلك، أراه كالوارث الطارئ إذا لم يعلم به، إنما يأخذ من كل وارث وجد معه مالا بقدر ما يصيبه، ويتبع سائرهم مما وقع عليهم، وكذلك هذا لا أرى أن يعتق منه إلا بقدر ما صار في يدي كل وارث يجده مليا أو موصى له بالثلث من قيمته التي كان يعتق فيها ويرق ما بقي حتى يجد الآخرين مَلِيّا، يعتق باقيه عليهم فيما أخذوا له من ذلك. قال: وتفسير ذلك أن يوصى بعشرة بين رجلين، والعبد قيمته عشرة، والورثة اثنان، والمال بالعبد ستون فالثلث عشرون، فأخذ أهل الوصايا عشرة، والورثة خمسين، ولم يعلم بعتق العبد، ثم علم، فله قبل أهل الوصايا سدس قيمته دينار وثلثا دينار؛ لأنهما أخذا سدس المال، فله قبل كل واحد منها نصف ذلك، وهو دينار إلا سدس فمن وجد منهما حاضرا أو مليا عتق عليه بقدر ذلك، واتبع الآخر بمثله يوما ما على الورثة خمسة أسداس قيمته، وهو ثمانية وثلث، فمن وجد منهما مليا أو حاضرا عتق عليه بقدر ما أخذ له من ذلك، وهو نصف ذلك، وهو أربعة دنانير وسدس، واتبع الآخر بمثله يوما ما، وإنما الورثة هاهنا كالموصى لهم والموصى لهم كالورثة وهم والعبد كالوارثين جميعا.
قال أصبغ: قال لنا ابن القاسم: وإن كان الوصي عجل، رأيته ضامنا وبِيعَ وهو أهل الوصايا. قال أصبغ: وذلك إذا كانت عجلة مبادرة وأمر لا يشبه اجتماع المال وتنفيذه، فيضمن وإن لم يعلم، ويكون كالخطأ والخطأ مضمون، فلو أن رجلا أوصى بعتق رقبة، فاشترى الوصي نصرانية، ولا يعلم ولم يثبت كان كالخطأ منه على نفسه، وكان ضامنا فكذلك هذا. قال ابن القاسم: إلا أن يكون قاض قضى به، فلا أرى عليه شيئا؛ لأن غيره أنفذه وقاله أصبغ، وتنفيذ القاضي كتنفيذه بعد الاستيناء وبلوغ الأمر أجله. وتنفيذه عند ذلك كقضاء قاض وتنفيذه، ومن الله التوفيق.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية في الوصي: إنه لا شيء عليه إن كان ذلك منه بعد تمكن واجتهاد وتثبت من غير عجلة يدل أنه عنده محمول على التفريط وترك التثبت حتى يعلم من فعله خلاف ذلك. وقول أصبغ: إنه لا شيء عليه إذا لم يبادر؛ إذ ليس عليه هذا الاجتهاد كله، يدل على أنه محمول عنده على غير التفريط حتى يعلم من فعله خلاف ذلك، وقد اختلف قول ابن القاسم في ذلك على ما يأتي لقرب آخر هذا الرسم. وأشهب يقول في هذا الأصل: إن الوصي ضامن؛ لأنها جناية خطأ يضمن المال، ويضمن العتق إذا أعتق عن الميت، ثم طرأ دين سواء علم به أو لم يعلم، يضمن ويكون الولاء للوصي إلا أن يكون العبد عبد الميت، فهاهنا يرد العتق إذا طرأ دين. قال فضل: قول ابن القاسم أحسن. قلت: وقول أشهب هو على غير ابن القاسم في الحج الثالث من المدونة وفي الوصايا منها، ليس جهلهم بالذي يزيل عنهم الضمان.
وقد مضى تحصيل القول في هذا المعنى في رسم الأقضية من سماع أشهب فلا معنى لإعادته. فإذا ضمن الوصي على القول بأنه يضمن بعتق العبد، ويضمن للورثة قيمته، ويتبع بذلك الموصى لهم إن كانوا معينين، وإن لم يكونوا معينين، وإنما كانت الوصية للمساكين، أو في السبيل، كانت المصيبة في ذلك من الموصي.
وعلى القول: إن الوصي لا ضمان عليه يعتق العبد، ويتبع الورثة الموصى لهم إن كانوا معينين، وتكون المصيبة منهم إن كانت الوصية للمساكين، أو في السبيل، ولا يصح في هذا اختلاف؛ لأن العبد قد استحق الحرية بما ثبت له، فلابد من تعجيل عتقه، وإنما الاختلاف هل يضمن الوصي قيمته للورثة أم لا؟ حسبما بيناه. فقول أصبغ: إنه لا يعتق منه إلا بقدر ما يجب له على كل وارث أو موصى له يجده مليا بذلك، بمنزلة الوارث يطرأ على الوارث غلط بين مثال ذلك: أن يترك المتوفى عبدا قيمته عشرون وأربعون دينارا ويوصي بعشرة دنانير لرجل بعينه، أو في المساكين، ويعتق العبد، فينفذ الوصي العشرة دنانير للموصى له بها أو في المساكين، ولا يعلم بالعتق ويأخذ الورثة العبد والثلاثين دينارا، ثم يعلم بعتق العبد، فعلى القول بأنه لا ضمان على الوصي بعتق العبد على الورثة، ويتبعون الموصى له بالعشرة أو يكون مصيبتها منهم إن كانت فرقت على المساكين؛ لأن العبد هو كفاف الثلث على ما نزلناه من أن قيمته عشرون، المال سواه أربعون. وعلى القول بأن الوصي ضامن يعتق العبد أيضا؛ لأن الثلث يحمله، ويضمن الوصي للورثة العشرة التي نفذها للمساكين أو يتبع بها الموصى له إن كان معينا ولو كانت الوصية بعشرة بين رجلين، والعبد قيمته عشرة، والورثة اثنان، والمال بالعبد استوفى على ما نزله أصبغ في تفسيره لمذهبه، لم يكن على الوصي ضمان بحال؛ لأن الثلث يحمل العتق والوصية، فيعتق العبد على الورثة، ولا يكون لهم رجوع على أحد. وقول أصبغ: إن العبد يعتق سدسه على الموصى لهما إن كانا مليين، وإن لم يكونا مليين اتبعهما بذلك، وعلى الورثة خمسة أسداس إن كانا مليين، وإن لم يكونا مليين اتبعهما بذلك غلط ظاهر؛ لأن العبد قد استحق العتق بما شهد له به، فلابد من تعجيل عتق جميعه إذا كانت ثلث الموصي يحمله ولم يكن العبد الموصى به بعينه، وإنما كان أوصى بعتق عبد بغير عينه مبدأ على سائر الوصايا فلم يعلم الوصي بذلك حتى نفذ الوصايا، لما صح أيضا أن يكون كالوارث يطرأ على الوارث؛ لأن الوصية مقدمة على الميراث كالدين سواء لقول الله عز وجل: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11]. وتفسير أصبغ أيضا لمذهبه خطأ إذا اعتبرته، وقد نبه على ذلك ابن دحون فقال: هذا تفسير غير صحيح، كيف تقع هذه المحاصة وقد بقي من الثلث بيد الوارث ما يخرج منه العبد حرا وذلك عشرة دنانير؟ والصواب، يريد على مذهبه، أن هذا العتق الطارئ مع الوارث كوارث طرأ، يأخذ من كل واحد بقدر ما صار إليه من ثمنه، ولا يأخذ منه نصيبه كله، ولا يأخذ أحدا عن أحد، هو مع الموصى لهم كدين طرأ، يردون كلما أخذوا؛ إذ لا وصية لهم إلا بعد العتق، فاعتراضه عليه في تفسيره لمذهبه الذي قد بينا أنه غلط صحيح. وبالله التوفيق.

.مسألة يوصي بثلث ماله لقوم وله بير ماشية فيريدون أخذ ثلث البير:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عن الذي يوصي بثلث ماله لقوم وله بير ماشية، فيريدون أخذ ثلث البير مع ثلث المال، قال: لهم ثلث المال، ولا أرى لهم في البير شيئا لأنها لا تباع ولا تورث، وإنما فيها الشرب لأصحابها ولمن وردها من الناس بعدهم. قلت: أفلا يكون لهم ثلث الشرب مع الورثة، وأن يبدأوا به قبل الناس؟ قال: لا. ليس لهم من الشرب قليل ولا كثير؛ لأنها لا تباع ولا تملك، فكذلك ليس له أن يوصي به لأحد أرأيت لو أوصى بها كلها وصية مسماة أيجاز لملك له؟ وقاله أصبغ وهو الحق. والميت كان فيه كغيره من ورثته، وليس يأخذونه ميراثا، إنما يأخذونه بحقه كالحبس عليه وعلى ولده، وغير مال هو له مؤثل.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن بير الماشية التي تحتفر في البراري والمهامة، محمولة عند مالك، على أنها إنما تحتفر للصدقة، فيكون حافرها أحق بالتبدئة بالشرب، ويكون الفضل لجميع الناس، لا يمنعه من أحد، لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ» ولو أشهد حافرها عند حفره إياها أنه إنما يحفرها لنفسه، لا للصدقة، لكان ذلك له، وكان أحق بالفضل يورث عنه، وتجوز وصيته فيها، وإن ادعا ذلك بعد حفرها ولم يشهد، لم يصدق عند مالك.
وقد مضى تحصيل القول في هذا في رسم الأقضية الأول، من سماع أشهب من كتاب النداء والأنهار وبالله التوفيق.

.مسألة قتل عمدا فأوصى بثلث ماله ثم قبل أولياؤه الدية بعده:

قال: وسمعت ابن القاسم وسئل عمن قتل عمدا فأوصى بثلث ماله، ثم قبل أولياؤه الدية بعده، وعفوا عن القتل، أتدخل وصيته في ديته؟ قال: لا لأن ذلك ما لم يعلم به. وقاله أصبغ: ولو أوصى بذلك فقال: إن قبل ولاتي ديتي، فهي وصيتي أو وصيتي فيها أو ثلثها وصية أو صدقة لم أر أن يدخل فيها من وصاياه قليل ولا كثير، ولا يدخل منها في ثلثه شيء لأن ذلك أيضا عنده يوم أوصى مال مجهول له، غير عارف ولا عالم به. ولا يدر أيقبلون الدية أم لا؟ أو يتركون الدم أم لا؟ فهو كشيء لم يعلم به، ولكن لو عفا عن الدم عفوا قبل موته عن الدية أو أوصى أن يعفى عن قاتله على الدية باشتراط، فالوصية به كالفعل منه في مرضه، فأوصى بها بوصايا أو بثلث ماله مبهما مع هذا رأينا أن يدخل فيه ويلحق به.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه في المذهب إن وصية المقتول عمدا لا تدخل في ديته إن قبلها ولاته؛ لأنه مال لم يعلم به، وكذلك إن قال: إن قبل ولاتي ديتي، فوصيتي فيها؛ لأنه ليس على يقين من قبول ولاته الدية، ولا وجبت له بعد. ولو أوصى المقتول فقال: يخرج ثلثي مما أعلمت من مالي ومما لم أعلم لم تدخل في ذلك الدية التي أخذها الورثة لأنه مال لم يكن له، وإنما قال: ما لم أعلم من مالي وديته لم تكن من ماله، لكن يؤدي منها ديته ويرثها عنه ورثته على كتاب الله تعالي لأن السنة أحكمت ذلك في الدية، وإن كانت ليست بمال المقتول الموروث قاله ابن دحون وهو صحيح. وأما قوله في الرواية، ولكن لو عفا عن الدم عفوا قبل موته على الدية أو أوصى أن يعفى عنه على الدية باشتراط، فالوصية به كالفعل عنه في مرضه، فأوصى فيها بوصايا أو بثلث ماله مبهما مع هذا رأينا أن يدخل فيه ويلحق به، فهو بين على القول بأن له أن يعفو على الدية وأن يوصي بذلك، فيلزم القاتل، وأما على القول بأن ذلك لا يلزمه إلا برضاه فالذي يأتي على قياس قوله في أن الوصايا لا تدخل في ديته إذا قال: إن قبل ولاتي ديتي فوصيتي فيها ألا يدخل فيها إذا أوصى أن يعفي عنه على الدية إذ ليس على يقين من أن القاتل يرضى بذلك، كما أنه ليس على يقين من أن ولاته يقبلون الدية وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى لرجل بدنانير حاضرة بعينها أو عدد مسمى بغير عينه:

قال أصبغ: من أوصى لرجل بدنانير حاضرة بعينها أو عدد مسمى بغير عينه العمل فيه عند ابن القاسم ومالك وأصحابه كلهم واحد في مذهبهم. وأنا أرى ذلك اتباعا لهم، وقياسا على قولهم، والاستحسان عندي في العلم على غير ذلك، والله أعلم أرى إن كانت الوصية في الدنانير الحاضرة بعينها، مثل أن يقول: أعطوه منها كذا وكذا أو يقول: هذه الدنانير بعينها لفلان، أو يخرجها لهم بعينها ويدفعها إليهم فيكون لا يخرج في ثلثه فيوقف عنهم الثلث أو ما أشبه ذلك من الشيء المعتمد من العين الذي ترك بعينه، فأنا أرى في هذا القول ما قالوا أن يدفع إليهم بعينه، أو يقطع لهم بالثلث من كل شيء شركاء له، للعول فيه، فهو حينئذ كالدار بعينها، أو الجارية والعبد والأرض والثوب، يوصي لما به، فيجاوز الثلث فينفذوه بعينه، أو يخرجوا من الثلث فهذا كله هكذا لا شك فيه فأما أن يوصي بدنانير مسماة، ليست بأعيانها ولا مضمونة من شيء واحد، فلا أرى إلا وهي جارية في ذلك المال متى ما اجتمع المال، أو اجتمع منه عين وكان قسمه أخذوا ثلث العين، وثلث ما ينض مما بيع وجمع وحضر والباقي لهم في ثلث الغائب حتى يحضر، ولا يقطع لهم بالثلث، وهو أكثر منها حين لم يعجلوا لهم ما ليس عليهم تعجيله من العين والوصية؛ لأنها قد صارت شركة تجري في كل شيء كشركة الوارث، ولا يكون أحسن حالا من الوارث، والتوفيق بالله.
وهكذا، كان ينبغي أن يكون تفسير قول مالك ومعناه الذي تكلم عليه، وأصحابه يحملونه على الكل بغير رواية.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم المكاتب من سماع يحيى فلا وجه لإعادته. وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري العبد في مرضه لم ينقذ ثمنه فيعتقه ثم يموت:

وسمعت ابن القاسم يقول في الذي يشتري العبد في مرضه بنظرة أو غير نظرة، إلا أنه لم ينقذ ثمنه فيعتقه ثم يموت، فيوجد الآمال له. قال: لا يجوز عتقه إذا لم يكن له مال، طال زمان ذلك وهو مريض أو لم يطل، إلا أن يكون في قيمته فضل فيباع بقدر ذلك ويعتق ما بقي، وقاله أصبغ إلا أن يكون قد أفاد فيها بين ذلك مالا فذهب أو علم البائع فعلم وترك.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إذا اشتراه فأعتقه ولم يؤد ثمنه حتى مات ولم يوجد مال سواه إنه يباع منه بما عليه من الثمن لأنه محمول ومن يوم اشتراه على الحالة التي وجد عليها بعد موته، من أنه لا يكن له مال سواه، وإن طال زمن ذلك، إلا أن يعلم أنه قد أفاد في خلال ذلك مالا فذهب كما قال أصبغ وأن البائع قد علم ذلك وأمضاه، إذ لا يجوز لمن عليه دين يغترق ماله عتق إلا بإذن صاحب الدين. وأما قوله: إنه يعتق ما بقي منه بعدما بيع منه في الثمن، فمعناه إن كان قد صح في مرضه ذلك ولم يمت منه. وأما إن مات من ذلك المرض فلا يعتق منه إلا ثلث ما بقي بعد الدين إذ لا اختلاف في أن عتق المريض في مرضه في ثلثه. وبالله التوفيق.

.مسألة قال أعتقوا أحد هذين العبدين وأحدهما مدبر:

قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم يقول في رجل حضرته الوفاة فقال: أسهموا بين مدبري هذا وعبدي فلان، فأيهما خرج سهمه فأعتقوه وله مال يحملهما الثلث جميعا إنه يسهم بينهما فإن وقع السهم للمدبر عتق على كل حال، ولم يعتق من الآخر قليل ولا كثير؛ لأنه قد خرج من الوصية لما أخطاه السهم، ولم يجعل له عتق إلا أن يخرج سهمه فإن أخرج السهم له، عتق وعتق المدبر بالتدبير إذا كان الثلث يحملهما، وإن لم يكن له مال يحمل غير أحدهما فخرج سهم المدبر في الاستهام عتق وحده، ولم يعتق من الآخر شيء، وإن خرج السهم للآخر عتق المدبر أولا بالتدبير؛ لأنه ليس له أن يدخل عليه ما ينقص تدبيره، وقد عقد له التدبير في الصحة، وهي عتاقة عقدها ينظر إلى الثلث، فإن فضل منه شيء عن المدبر عتق من العبد الذي لم يكن فيه تدبير الذي خرج سهمه على المدبر أولا ما فضل عن الثلث وإن لم يفضل إلا دينار واحد. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن السهم إذا خرج للمدبر خرج الآخر عن الوصية، وإن خرج الآخر بدئ المدبر عليه في الثلث وأعتق هو إن حمله الثلث مع المدبر، وإن حمل بعضه عتق ما حمل الثلث منه، فإذا لم يحمل الثلث المدبر وحده، فلا يحتاج إلى أن يضرب بالسهام بينهما، إذ لا عتق للآخر مع المدبر بحال، إذا لم يكن في الثلث فضل عن المدبر. والمسألة متكررة في سماع عبد الملك من كتاب العتق وفي رسم بيع ولا نقصان عليك من سماع عيسى منه إذا قال: أعتقوا أحد هذين العبدين، وأحدهما مدبر، ولم يقل: أسهموا بينهما إنه يسهم بينهما على نصف قيمتهما، فإن خرج سهم المدبر وهو نصف قيمتهما فأقل خرج العبد الآخر من الوصية، وإن كان فيه فضل عن نصف قيمتهما عتق من الآخر ذلك الفضل، وإن خرج سهم الآخر وهو نصف قيمتهما فأقل عتقا جميعا إن حملهما الثلث، فإن لم يحملها الثلث، بدئ بالمدبر فيه، ثم أعتق من الآخر بقية الثلث، وإن كانت قيمته أكثر من نصف قيمتهما، لم يعتق منه أكثر من نصف قيمتهما إن حمل ذلك الثلث مع المدبر، وإن لم يحمل ذلك الثلث مع المدبر عتق منه ما حمل الثلث منه مع المدبر؛ لأن المدبر مبدأ عليه على كل حال. هذا معنى قوله دون لفظه وبالله التوفيق.

.مسألة توفيت ولها على زوجها خمسون دينارا وتركت شيئا وأوصت بحجة:

قال: وسمعت ابن القاسم وسئل عن امرأة توفيت ولها على زوجها خمسون دينارا وتركت شيئا وأوصت بحجة، ولم يعلم قولها ذلك أحد غير أبيها فأتى الأب إلى الزوج فقال: إنها قد أوصت بحجة، وليس على ذلك بينة، والخمسون التي عليك، لك منها خمسة عشرون، ولي خمسة وعشرون، فهل لك أن تأخذ مما تركته الساعة، يعني من الوسط قبل أن يقسم شيئا من الأشياء ثلاثين دينارا لتعطى من يحج عنها وأنا أترك لك الخمسة وعشرين التي لي مما عليك؟ فرضي بذلك الزوج. قال ابن القاسم: لا خير فيه، ولا يحل، وأراه من وجه ضع وتعجل. يريد أن الأب وضع وتعجل، وأن الزوج تعجل على أن وضع عنه. وقاله أصبغ، وذلك أن الخمسين التي على الزوج مؤجلة لم تحل. قال ابن القاسم: ولو قال له: تخرج عشرة مما تركت يتصدق بها على فلان على هذا الشرط لم يحل.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إذا كان الدين على الزوج مؤجلا لم يحل أجله على ما فسره أصبغ؛ لأن من حق الزوج أن يأخذ الخمسة عشر الواجبة له من الثلاثين، ويكون عليه الخمسة وعشرون من الخمسين إلى أجلها، فقد أعطاها معجلة على أن تسقط الخمسة وعشرون المؤجلة إذ لا فرق بين أن يأخذها الأب على ذلك لنفسه، أو لينفذها في الوصية التي لا يعلمها غيره، ألا ترى أنه لو كان لرجل على رجل عشرون دينارا مؤجلة، فقال له: تصدق على المساكين، أو على فلان بعشرة نقدا، وأنا أضع عنك العشرين التي لي عليك مؤجلة؟ لم يحل ذلك؛ لأن ما اشترط لغيره بمنزلة ما أخذه لنفسه، وبالله التوفيق.